هل يحل شرب لبن الحمير؟
د. عارف الشيخ
نسمع في هذه الأيام ترويجاً للبن الحمير من قبل بعض المسلمين، وهذا الترويج مصدره ما يشاهدونه في الغرب من أن لبن الحمير دخل في كثير من المنتوجات كالصابون والألبان والأجبان والأشياء الكحولية، وفي تركيا ترى أنت بعينك الحمارة في الشارع، فيقوم راعيها بحلبها في كأس فيتناوله طالبه.
لذلك فإن بعضهم سألني عن رأي الشرع في هذا، وفي الشرع معروف أن اللبن يتبع اللحم، فطالما أن الحُمُر الأهلية نهينا عن أكل لحمها فإن لبنها محرم بالطبع، والحُمُر الأهلية حتى عام سبع من الهجرة كان يؤكل لحمها، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر كما ورد عن جابر بن عبدالله رضي الله تعالى عنه نهى عن لحوم الحُمُر ورخص في لحوم الخيل كما في البخاري.
وفي البخاري ومسلم عن أبي ثعلبة قال «حرم رسول الله لحوم الحُمُر الأهلية». ويقول ابن قدامة في المغني ج٩ ص ٣٢٤ «أكثر أهل العلم يرون تحريم الحُمُر الأهلية».
وأما عن ألبان الحمير فقال ابن قدامة: «وألبان الحُمُر محرمة في قول أكثر أهل العلم تبعاً للحومها». لكن رخص في شربها طاووس وعطاء والزهري والأول أصح (انظر المغني ج٩ ص٣٢٥).
وبناءً على هذه النصوص الموجودة في كتب السلف عند السادة الحنابلة، أفتت اللجنة الدائمة بالرياض بأنه لا يجوز التداوي بشرب ألبان الحُمُر الأهلية.
ومن السلف من قال بتحريم لحوم الحمر الأهلية وألبانها، لكنه رخص التداوي بألبانها إذا أوصى الأطباء بتناولها وإلى مثل ذلك أشار الشنقيطي المالكي في نظم النوازل فقال:
ولبن الحمير للدواء
أجازه الإمام ذو اللواء
ومثل ذاك لبن الخيول
مع البغال قال الجزولي
ومثل هذا الترخيص استند إلى ما ورد في مصنف عبدالرزاق وابن أبي شيبة عن جمع من السلف بأنهم أجازوا تناول لبن الحُمُر الأهلية للعلاج، وأن علياً بن الحسين شرب لبن الحمير من مرض كان به.
إذن هذا هو رأي الشرع، ويبقى بعد ذلك أن نعرض بعض ما ورد في العلم الحديث عن فائدة لبن الحمير الطبية:
فممّا قرأت في بعض الأبحاث الطبية أن لبن الحمارة له قدرة على توقيف نشاط الخلايا السرطانية، وأن حليب الحُمُر مثل لبن الأم فيمكن أن يعالج به الأطفال الذين لديهم حساسية من الرضاعة الطبيعية.
وفي ندوة بالمغرب حول خصائص حليب الحمارة – في مهرجان زرهون بني عمار تحديداً، تحدثت الاختصاصية في التغذية بالمركز الاستشفائي الحسن الثاني عفاف ميكو فقالت: «الحمارة يتطلب حلبها في اليوم ست مرات يدوياً، وهي تنتج كمية قليلة من الحليب بخلاف البقرة».
وحليب الحمارة يشبه إلى حد كبير حليب المرأة حيث أثبتت البحوث أن الإنسان والحمار يملكان جهازاً معوياً واحداً، بخلاف الحيوانات المجترة التي تملك جهازاً هضمياً مزدوجاً فيرد العناصر الأساسية المكونة للحليب من دون أكسدتها.
ثم قالت: «حليب المرأة وحليب الحمارة يشبهان بعضهما في خصائصهما الغذائية، وحليب الحمارة خفيف على المعدة لكونه خالياً من مادة الكازيين القابلة للتخثر، ونسبة الدهون فيه قليلة، إضافة إلى فوائد أخرى تفيد الكبار أيضاً».
على أي حال فقد لاحظنا أن علماء الشريعة لم يتفقوا على تحريم لبن الحمير مطلقاً، فالحنابلة أخذوا بالأشد فحرّموه واعتبروه نجساً، والأحناف اختلفوا فيه والمالكية والشافعية أجازوا شربه ولاسيما إذا كان للتداوي.