مقالات عامة

وادي الحلو

يوسف أبو لوز

شغف الشعراء والرسامين والفنانين عموماً بالجبال لا يشابهه إلا شغف الأطفال بالدمى والحلوى، لكن الجبل ليس دمية.. الأرجح إنه قالب كبير من حلوى الأشجار والغيوم وحتى الحجارة.. حلاوة الجبل في صمته المهيب، ورسوخه، وحكمته القريبة من السماء.
أشعر بماء بارد يتقاطر على الروح والعاطفة كلما مررت بوادي الحلو أو حظيت بزيارة هناك أو أمسية أو لحظة تتكثف فيها الطبيعة لتصبح قصيدة أو أغنية.
الجبال في وادي الحلو شقيقات للغيوم.. نسيج رباني من الشجر والعشب والحجارة يحيط بالمكان ويجعل منه أليفاً بهوائه وملمسه.. ودفق الضوء المنتشر على الطبيعة الصاعدة بهدوء وروّية إلى الشمس.
هل تكتب قصيدة، أم ترسم، أم تنحت، أم تجعل لك سردية من الهواء والضوء وأنت في وادي الحلو.. وكما الأسماء في الحياة ولكل امرئ من اسمه نصيب، كذلك، لكل جبل من اسمه نصيب، ولكل مكان من اسمه معنى ودلالة وإشارة.
حلاوة وادي الحلو تكمن في طاقته التشكيلية البرية الفطرية.. الهواء والضوء والغيوم والحجارة والنبت اليانع الصغير والكبير.. هذه أو هؤلاء معاً هم رسامو وادي الحلو.. مكان الألفة والحنوّ والطيبة.. حتى طيبة الحجر، وطيبة الجبل، وطيبة الوادي.
كل شيء طيب وطبيعي وعفوي هنا. كل شيء وكل كائن يقول لك تعال وعش هنا واكتب، وحللّ روح التراب وانسياباته من أسفل إلى أعلى ومن أعلى إلى أسفل في تدرج تشكيلي نحتي موسيقي يتماثل مع الطاقة الجمالية النورانية في الفن.
لا يمر أحد بوادي الحلو إلا ويستنشق المكان برئتين صافيتين، وفي أكثر من مرة كنت أرصد وأتابع انفعالات أصدقاء شعراء أو زوار للمنطقة الشرقية في الشارقة مرّوا من هناك.. من فضاء الوادي وفضاء الجبل، لا أعرف من لغة الوجه وتعبيراته التلقائية كم يؤثر المكان بفطريته ونقائه في روح الكائن البشري، بل، في جسده وبوصلة عينيه المتابعتين بدقة للتماوج التشكيلي في الحجر وفي الشجر.
يذكر شاعر.. «..سكان الشواطئ لا يَرَون البحر..» كناية عن أن تكرار رؤية المكان واعتياده اليومي يزيح عنه دهشته.. وبالتالي كأننا لا نراه.. وذلك لا يحدث في الصورة اليومية لوادي الحلو.. بل تكرار رؤيته واعتياده تزيد من شأن جمالياته وطاقته الفنية الكامنة في قلب المكان.
هل هناك أمكنة شعرية أو روائية تحمل في داخلها وخارجها طاقة دافعة للكتابة؟؟.. نعم، وادي الحلو العصيّ على التكرار هو من هذه الأمكنة.. الكتابة فيه وعنه ومنه محاطة بالإلهام الذي لا ينضب. قصيدة تعطيك مفتتحها وانسيابها بلا تلكؤ ولا مخاضات.. إنها كتابة الوادي وكتابة الجبل بلطف وغزارة وثراء في المعنى واللغة.
أنت أكثر من كاتب في هذه الحالة الإلهامية النادرة: أنت شاعر، ورسام، ومصور، وقبل ذلك.. إنسان يتذوق حلاوة الجبل.

yabolouz@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى