واقع قمّة العشرين ووعودها المنتظرة
د. خليل حسين *
تبدأ غداً (الجمعة) قمة العشرين اجتماعاتها وسط أجواء دولية متوترة، ظاهرها أزمات سياسية وباطنها أزمات بنيوية اقتصادية وتجارية ومالية، وبين تلك الأزمات، ثمة مجموعة لا تحصى من التباينات في الرؤى والأهداف والغايات التي يحاول قادتها التوفيق بينها، والوصول إلى حد أدنى من الاتفاق على التزامات تبدو ملحّة في الظروف الدولية الحالية.
وفي تتبّع سريع لمجريات قممها السابقة وما نتج عنها، وبخاصة القمتان السابقتان في تركيا وما قبلهما في الصين، يلاحظ عدم التمكن من تنفيذ الحد المعقول من ال 113 التزاماً التي أخذت القمم المتتالية على عاتقها البدء في تنفيذها، وهي بمعظمها تدور في فلك مصالح الدول الغنية وتخدم البيئة التي تحفّز وتراكم إنتاجها، فأين المشكلة، وهل ثمة أفق للحلول المجدية؟
في المبدأ تعتبر اجتماعات قمة العشرين بمثابة منتدى مالي واقتصادي لمجموعة أنشئت على هامش قمة مجموعة الثماني في 25 سبتمبر / أيلول 1999 في واشنطن، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي ممثلاً برئيس البرلمان الأوروبي والبنك المركزي الأوروبي، والهدف منها تعزيز الاستقرار المالي الدولي وإيجاد فرص للحوار ما بين البلدان الصناعية والبلدان الناشئة، التي لم تتمكن اجتماعات وزراء المالية مع مجموعة السبع من حلّها. كما تستضيف في اجتماعاتها كلاً من المؤسسات الدولية، الرئيس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، ورئيس البنك الدولي، واللجنة النقدية والمالية الدولية ولجنة التنمية التابعة لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وبالتالي تضم المجموعة 85 % من مجموع الاقتصادات الدولية المؤثرة في العالم. ورغم هذا التحكّم الهائل، ليس ثمة آليات تنفيذية ملزمة لمجمل ما تبحثه وتقرره، وهذا ما ظهر في قممها منذ العام 1999.
علاوة على ذلك، تمثّل هذه القمة تحدّياً من نوع آخر، ويتمثل بأنها القمة الأولى بعد رزمة الضرائب الجمركية التي رفعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب،على التبادلات التجارية لدول في المجموعة والتي تشكل تحدّياً قوياً للعلاقات البينية من جهة والعلاقات التجارية مع دول العالم الأخرى. ما وصفها الكثير من المراقبين بأنها بداية حرب تجارية بدأها الرئيس الأمريكي، وبخاصة على بعض الدول الأوروبية والصين، والتي شكلت ضربة قاصمة لأسس التبادل التجاري الدولي، وفي مقدمتها منظمة التجارة العالمية التي بدأت الإدارة الأمريكية بالتفلت من الكثير من التزاماتها خلال السنتين الماضيتين، والتي كان لواشنطن في الأساس الدور الريادي في نشأتها وإدارة دفة عملها على الصعيد الدولي.
والأمر لا يقتصر على الجانبين المالي والاقتصادي، بل تعدّى تراجع الالتزامات إلى جوانب أخرى، كموضوع البيئة والتي وقّعت الولايات المتحدة على الاتفاقية الإطارية للمناخ قبل انعقاد قمة العشرين في الصين في العام 2016 إلا أنها ما لبثت أن تنصلت منها،علاوة على الوعود التي قدّمت لمساعدة اللاجئين في السنتين الماضيتين، والتي مشى الرئيس الأمريكي بخطوات معاكسة لها بل وضع أسس ضربها والتراجع عنها.
ثمة الكثير من التحديات التي تواجه القمة، وهي تحديات وازنة في العلاقات الاقتصادية والمالية الدولية، وهي من النوع الذي يستلزم حلولاً جذرية قبل فوات الأوان، فثمة تقارير ذات مصداقية عالية، تشي بأن العالم يمر بأزمة اقتصادية دقيقة، ومن المتوقع إن تنفجر في مطلع العام 2021، ما لم يتم تداركها بوسائل وأسس مغايرة عن التي سبقتها. إلا أن التجارب المعتادة لا تبشّر بالخير، فالعالم لم ينس بعد أزمة النمور الاقتصادية الآسيوية في العام 1999 والتي كان من أحد أسبابها ظهور مجموعة العشرين في الساحة الدولية، وكذلك أزمة العام 2008 التي بدأت في الولايات المتحدة واجتاحت دول العلم قاطبة. اليوم ثمة قضايا دولية مزمنة ومتراكمة في غير إقليم من العالم، فهل ستسود لغة التعقل في اجتماع بوينس أيرس أم ستكون متممة للسياسات التي سبقتها؟
* رئيس قسم العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية