وطن عربي شعري في الإمارات

يوسف أبو لوز
انتهت أنشطة مهرجان الشعر الشعبي في الشارقة، لكن أثر المهرجان وما سبقه من دورات مستمر ومؤسس لثقافة هذا الشعر الذي يلقى كل حفاوة في الإمارات إن على صعيد المؤسسات المعنية بالعمل الثقافي، أو على صعيد شعراء الدولة، والجميل هنا، أن الكثير من شعراء الشعبي أو النبطي هم شباب وشابات متمكنون أولاً من ثقافة هذا الشعر، ويحملون في الوقت نفسه ذاكرة المكان ومرجعياته الشعبية النبطية منذ العلم الشعري النبطي الأول الماجدي بن ظاهر، وما تلاه من رموز وكبار هذا الشعر.
عندما تتحدث عن الشعر الشعبي النبطي يذهب انطباعك إلى أن كتابه وقائليه هم من كبار السن، وفي حقيقة الأمر أنه شعر الشباب أيضاً.. هؤلاء الشباب الذين تربوا في الإمارات وفي منطقة الخليج العربي عامة على أصالة آبائهم وأجدادهم الكبار.. والكبار معنى.. كما الكبار قيمة وسلوكاً وتربية.
الشعر الشعبي في الإمارات وفي الخليج العربي مكون ثقافي أصيل من مكونات هوية الشخصية الخليجية وطبيعتها التربوية والنفسية، والشعر الشعبي، أيضاً، مكمل للشعر الفصيح في المنطقة إن لم يكن موازياً للفصيح، وذلك لأكثر من سبب منها على سبيل المثال كثرة كتابه وقائليه.. وأنا هنا استخدمت كلمة «قائليه» في هذه المقالة أكثر من مرة استناداً إلى الحقيقة الأولى لهذا الشعر وهي حقيقة أنه في الأساس شعر شفوي أو شعر الشفاهية «القولية» المتصلة بطبيعة الشاعر نفسه، وهي حضور بديهته، وسرعة التقاطه للكلمة والمعنى والمناسبة، إذ يمكن للشاعر الشعبي أو النبطي أن يرتجل القصيدة ببراعة نادرة لا تتوفر لشعراء الفصيح.
..هذا أولاً، وثانياً.. يتوازى الشعر الشعبي مع الشعر الفصيح من حيث أن الشعبي أو النبطي يحمل معجماً فصيحاً، وله عروضه ووزنه وإيقاعه وموسيقاه تماماً كما في الفصيح، والشاعر الشعبي لا يكسر وزنه.. والشاعر الكاسر لوزنه هو محل العيب، لا بل، وأكثر من ذلك، يرتبط الشعر بعامة إن كان شعبياً نبطياً أم كان فصيحاً بفكرة أو مفهوم الفروسية، والشعور المضمر النائي في النفس بالتميز والتفرد.. ومن الطبيعي أنه لكي تتميز وتتفرد عليك أن لا تكسر.. وقصة «أبي العتاهية» ليست مقنعة علمياً وموضوعياً عندما أشار له أحد الشعراء بأنه كسر في الوزن، فقال «أنا أكبر من العروض».
مجالنا الشعر الشعبي.. وبيئته الحرة المحترمة في الإمارات، ومهرجانه في الشارقة تكريم لأدب رفيع وثقافة تراثية رفيعة، والطابع العام لهذا المهرجان هو الحفاوة والمحبة والتكريم لمن يقول الشعر ويكتبه في متوازي ضلعيه: الفصيح، والشعبي.
قبل أكثر من شهر قرأ في الشارقة 30 شاعراً وشاعرة من أقطار عربية عدة، وكان القطر العربي الواحد من الإمارات هو الشعر، وأمس الأول قرأ في الشارقة شعراء الشعبي النبطي القريب من القول والمشافهة والكتابة في قطر عربي واحد أيضاً هو الشعر.. وإذا أردت أن تبني على ذلك، فالشعر هو الأمل والتفاؤل نحو وحدة وتعاون وتفاهم العرب على مبدأ بسيط وعفوي هو «ديوان العرب»..
ديوان عربي واحد.. لا كسور فيه ولا شذّ، ولا خروج على الوزن والقيمة والمشتركات الواحدة.
yabolouz@gmail.com