مقالات عامة

ولو في الصين

د. حسن مدن

حين كان الأدباء والمثقفون العرب يقررون الهجرة من أوطانهم ضيقاً مما هي عليه من جهل وتخلف وضعف في التعليم، فإن وجهتهم تكون غرباً، إما إلى فرنسا، أو بريطانيا وأمريكا أو روسيا وغيرها من البلدان الأوروبية. وبعد أن يتمكنوا من لغات هذه البلدان سرعان ما يظهر في كتاباتهم ما قرأوه من آدابها وأفكارها، أو حتى يقوم المهتمون بالترجمة منهم بنقلها إلى العربية، وهم في ذلك أجزوا خدمة كبيرة إلى الثقافة العربية، من خلال تيسير المثاقفة مع الثقافات الأخرى، وتعريفنا بها.
لكن قلة قليلة، لا بل نادرة، من أفراد هذه النخب المهاجرة اختارت أن تتوجّه شرقاً لا غرباً، ولنفس الأسباب، الهروب مما عانوه من ضيق أو ملاحقة في بلدانهم أو جرياً وراء فرصة عمل، وأمكن للمهتمين من هؤلاء أن يفعلوا ما فعله نظراؤهم المهاجرون إلى أوروبا، ولأن عددهم أقل بكثير، بما لا يقاس، بعدد الأولين، لذلك فإن ما كتبوه بالعربية حول ذلك ظلّ قليلاً.
ومن بلدان الشرق التي نعني هنا بلدان مهمة معروفة بعراقة وغنى وعمق حضارتها وثقافتها، بَلدان مُهمان مثل اليابان والصين. ويحضرني هنا اسم صديقنا الشاعر السوري الكبير علي كنعان، أمدّ الله في عمره، الذي أخذته الظروف إلى طوكيو كمراسل لوكالة الأنباء السورية هناك، ولكن موهبته ونزوعه الأدبي حملاه على الاهتمام بأدب وثقافة هذا البلد، الذي نجد أجواءه حاضرة في نصوصه الشعرية التي استوحى فيها تجربة عيشه هناك، لا بل إن علي كنعان عرّفنا في كتاب صدر منه جزء واحد حتى الآن عن الرواية في اليابان.
ثمة مفكر عربي آخر، للفلسفة هو أميل، حملته ظروف بلاده، العراق، القاسية، على الرحيل نحو الصين، وهو بلد يزيد جهلنا عنه عن جهلنا باليابان. وهذا المفكر هو الراحل هادي العلوي الذي غاص في درر الفلسفة الصينية القديمة، وأغنى المكتبة العربية بكتب غنية عنها، من بينها ترجمته لنصوص من فلسفتها المعروفة ب«التاو»، وقد أصدرت دار نشر بيروتية، لعلها لم تعد قائمة اليوم، هذه الترجمة في كتاب صدر أوائل ثمانينات القرن الماضي.
دارسو الفلسفة يعلمون جيداً أنه لا يمكن دراسة تاريخها بالبدء بتاريخ الفلسفة الإغريقية، التي هي الجذر الأساسي للفلسفات الأوروبية لاحقاً، ففلسفات الشرق، خاصة في الهند والصين، سابقة لها بكثير، وعلينا، كي نعرف تاريخ الفلسفة بصورة صحيحة، أن نبدأ بدراستها. وجهد هادي العلوي في هذا السياق، هو خدمة كبيرة أجزاها للثقافة العربية بأن عرّفنا بنصوص، لو قرأناها لرأينا أنها على قدمها، بقيت مفعمة بالقيم والمبادئ الإنسانية التي ما زالت البشرية تتوق إليها في يومنا هذا، حتى نكاد نخال أن الإنسان ظلّ في الكثير من الجوانب، ورغم كل أشواط التقدم التي قطعها، يحمل الكثير من بدائيته.

madanbahrain@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى