مقالات عامة

وما أدراك ما القراءة!

مريم البلوشي

الإنسان تكوينة من أشياء معقدة: جسدٌ فيه من معجزات الخالق، لايزال العلم والعلماء يقفون في حيرة منها، يحاولون أن يكونوا متقدمين، وفي كل تقدم يكون التالي هو أصعب مما مضى، لأن الدقة التي خلقنا بها، لم تكن يوماً ليعيها قلب بشر..! خلقنا وفينا أرواح وعقول، تتأثر وتؤثر، أرواحنا وأنفسنا هي امتزاج للكثير من المواقف والتجارب، حين تهدأ الروح وتهدأ النفس، وتبقى في أمن وطمأنينة وراحة واستقرار، في سعادة وفرح، وحين تتحقق لها المتعة المقرونة بالالتزام، فإنها تعيش، وتبدع، وتسمو، ويصبح صاحبها في مراتب الطمأنينة التي كلنا نبحث عنها، فهل من راحة واستقرار وسبيل يراد؟
حين تقرأ، فإن عقلك يكبر، يعيش ويتجدد، وحين تناقش وتستمع إلى غيرك، فإنك تتعلم ويستمر عقلك في الحياة والنمو، الإنسان ليس جسداً فقط يغذيه بالمأكل والمشرب والنوم، الإنسان هو التحام وتناغم الكثير من الأشياء، فصحّة عقله في صحّة نفسه، وصحّة نفسه، حين يغذيها، تغدو الروح منتشية.
هذه صورة من حالة مخ قارئ، لم يعرف يوماً كيف يعيش دون أن يقرأ، دون أن تداعب يداه وعيناه حروفاً متراقصة، تغنج في استحياء، تطلبه كي يقرأها في حالة من العزلة التي فيها كل المباح يباح. وهل تعرف قارئاً نهماً لا يدرك قيمة من يحب؟ يحب الكتاب وأي كتاب؟ يحب كل الكتب وكل الكتّاب والمعارف، متى كان في متون كتبهم وقلوبهم ما يستحق.
في شهر القراءة، نبدأ بالكثير من الرحلات، والمبادرات، ومهرجان الإمارات للآداب، وكل قراءة وندوة وحالة انتشاء منتشرة اليوم ولمدة شهر في كل أرجاء الوطن، بدأنا بمبادرات صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، قبل أيام، حين أطلق مشروع مليون كتاب للمدارس، دعماً منه وثقة بأن العقول هي أكبر استثماراتها في القراءة، وسؤالي للكثير من الجهات والمؤسسات: متى سنرى مبادرات حقيقية تدعم الكاتب وكتابه؟ متى سنرى حالة دعم مستمرة لا تبدأ وتنتهي في أيام معدودات؟ لا نعتب إلا لأننا تعلمنا من قادتنا أن نكون متقدمين، ومازلنا نرى أننا نفقد الكثير، عبر حالة التحول من مجرد كتاب هواة أو ممّن ينشر إلى عالمين بأدوات كتاب متمرسين، مازلت أنتظر اليوم الذي تصل فيه مؤسسة أدبية إلى مرتبة دور النشر العالمية، حين يكون المحرر والمؤلف حالة من البحث والمعرفة والكتابة، لكتاب قد يستمر سنوات فيكون بحق «من الأكثر مبيعاً».
لا نيأس، بل نتكلم، ولنقرأ كل ما نراه مفيداً، لأننا نحتاج إلى أن نكون بخير، مع أرواحنا وأجسادنا؛ لنقرأ فالجهل مظلم جداً، والمعرفة بوابة الحياة الحقيقية، لنقرأ، وكل عام وكل كتاب العالم والناشرين والمهتمين بالقلم والقراءة بخير.
نحن في مارس شهر القراءة الوطني للإمارات؛ وهل هناك احتفاء أكبر من هذا بنا؟

Mar_alblooshi@hotmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى